الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رواية جديدة بقلم دعاء عبد الرحمن

انت في الصفحة 43 من 65 صفحات

موقع أيام نيوز


على مقعده خلف مكتبه الصغير أبت أن تنام على فراشه التى تقاسمه فيه امرأة أخرى خاڤت أن ټشتم رائحتهما معا ممزوجة فى بعضهما البعض كانت تعلم أنه لايسمح لأحد غيرها بأن يعبث بمكتبه لذلك فضلت أن تنام خلفه وهى متأكدة أنه لم يلمسه بعده سواها 
لا يستطيع أن يتكلم أحد
عن الظلم إلا من ذاق مرارته ولا يقدر أحدا على وصف الظلام الا من عاش فيه كانت غرفة أقل ما يقال عنها نتنة الرائحة تفوح منها رائحة الڼجاسة لا يوجد ولا حتى نافذة صغيرة لا يوجد إلا بصيص نور صغير يأتى من أسفل عقب الباب الحديدى لا يصدر عنها سوى صدى صوت الأنين الهامس والتأوهات الخاڤتة التى تخشى من الظهور رغم عظم اللآلم والصمت هو سيد الموقف لا يقطعه سوى تمتمت بلال لبعض آيات القرآن همس عمرو فى أذن فارس قائلا

أحنا هنا من امبارح ومحدش قالنا تهمتنا أيه ولا حد عبرنا 
مال فارس على أذنه وقال همسا 
شكلنا كده مش جايين هنا رسمى وإلا كانوا حققوا معانا 
شق الصمت صرير المزلاج الحديدى وهو يدور ليفتح من الخارج ويرمى على الأرض شخصا آخر لا يعرفونه شهق الجميع وانتفضوا عندما دققوا النظر به لقد كان عاريا تماما ومؤخرته ټنزف دما كان الرجل يأن أنات متواصلة دون أنقطاع وهو مازال مكانه لم يتحرك تردد بلال قليلا ثم اقترب ببطء وهو يتفحص وجهه فوجده متورما تماما حتى أنه لا يستطيع لأحد أن يتعرف على ملامحه أو يميزه حاول بلال المساعدة ولكن الرجل انتفض للمسته لذراعه ثم زحف إلى ركن من أركان الزنزانة بعيدا عنهم وظل يبكى 
ويأن حتى انقطع صوته تماما فظنوه قد نام من التعب من شدة الټعذيب أنتفض عمرو وقد أدرك أنها النهاية حاول بلال أن يسرى عنهم وقال 
متخافش كده يا عمرو أحنا مش متهمين فى حاجة 
نظر إليه فارس
وقال بحدة 
يعنى المسكين ده كان متهم فى ايه يعنى يا بلال هى وصلت للدرجة دى
شق الصمت الغرفة صوت آخر ولكنه آتى من الخارج صوت صياح رهيب وأصوات تصرخ وتستغيث شق سمعهم وانتفض له قلوبهم وخصيصا أنهم استطاعوا تميز أصوات نساء تصرخ صرخات غير منقطعة وتستغيث هب عمرو واقفا بحركة لا أرادية 
وهو يقول 
ده صوت ستات أنتفض قلب كل واحدا منهم وقد حل فى عقولهم صور زوجاتهم 
كان هذا هو العڈاب الحقيقى كل رجل منهم يتصور أن زوجته من بين النساء التى تصرخ فى الخارج وهو مكبل لا يستطيع الفكاك للڈب عنها لا يستطيع أن يحمى شرفها من الانتهاك أنتفضت قلوبهم مرة أخرى عندما دار المزلاج ثانية ودفع داخل الحجرة رجلين آخرين سقطا على الأرض فور دخولهما من شدة العڈاب حاولوا مساعدتهما على الجلوس وتفقد جراحاتهما وكل رجل منهم يبكى من شدة الټعذيب كالنساء الا رجل واحدا كان صامدا رغم انه كان أشدهم عذابا ولم يكن لسانه يفتر عن قول لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين هدأت الاصوات فى الخارج ولم يعودوا يسمعون شيئا فهدأت نفوسهم قليلا 
نظر أحد الرجلين إلى الرجل المعرى فى ركن الزنزانة وبكى وكأنه قد شهد عڈابه ثم نظر ثلاثتهم إلى الرجلين وقال لهما فارس 
أنتوا تهمتكوا أيه 
قال رجل الأول بخفوت 
أنا مش من القاهرة أنا من سينا عندى محل تصليح غسالات من يومين لقيتهم هجموا عليا وقلبوا المحل وغمونى وخدونى فى عربية ولقيت نفسى هنا قدام الظابط وواحد تانى بيقولوا عليه وكيل نيابة هتف فارس فجأة 
عذبوك قدام وكيل النيابة أومال مين اللى بيطبق القانون 
أجابه الرجل 
قانون مين يا أستاذ وكيل النيابة هنا زيه زى الظابط اللى بيعذب بالظبط
ثم اردف قائلا 
وكل اللى طالع عليهم مين اللى اشترى منك التايمر من يومين اقولهم انا بصلح غسالات وطبيعى أى حد يشترى تايمر غسالة من عندى يقولولى أنت كداب يابن ال وفجأة لقيت الظابط ۏلع سېجارة وقالى لو السېجارة دى خلصت من غير ما تعترف 
هتكره اليوم اللى اتولدت فيه فضلت احلفله مفيش فايدة لحد ما قام من ورا مكتبه وقالى أنا هعرفك مين هارون باشا وبعدين ندى على المخبر وقالوا حضرلى التونيك 
قاطعه عمرو متسائلا 
أيه التونيك ده
أجابه الرجل 
ده الجهاز اللى بيصعقونا بيه بالكهربا وفضلوا يعذبوا فيا بالكهربا وانا عريان وفى الاخر 
ثم اشار للرجل الاخر وقال
لقيت الراجل ده جايبينه برضه متغمى وبيقولولى هو ده اللى اشترى التايمر
منك بصتله كده وقلت لاء
نظر لهم الرجل الاخر وقال 
انا اصلا من القاهرة ايه اللى هيودينى سينا علشان اشترى تايمر غسالة خدونى من بيتى من وسط ولادى وشدوا النقاب من على وش مراتى وكانوا عاوزين يعتدوا عليها قدامى لولا ستر ربنا وكل اللى طالع عليهم أنت بتصلى الفجر فين وسايب دقنك ليه زى ما تكون صلاة الفجر تهمه ودقنى چريمة فضلوا يعذبوا فيا أربع ساعات كهرباء ولما عرفت أنطق قلتلهم عاوز اصلى وقف الظابط قدامى وقالى صليلى قول سبحان هارون وبحمده سبحان هارون العظيم فضلت ابكى واقوله خاف ربنا يقولى ربنا مين مسمعتش الاسم ده قبل كده 
تابع الرجل الاول حديثه قائلا 
كان حلقى بيتقطع من كتر الټعذيب قلتلهم عاوز
اشرب رد عليا واحد منهم قالى مينفعش يا حبيبى أحنا خايفين عليك أنت متوصلك كهربا فشړ السد العالى لو شربت ھتموت أول مرة أحس ان روحى بتطلع وترجع تانى مكانها 
أردف الرجل الاخر 
أنا لقيوا عندى سيديهات عن الويندوز وتصليحه والبرامج ولقيت وكيل النيابة وهو بيقرا عناوين السيديهات بيقول للى بيكتب جنبه انهم لقيوا سيديهات عن ازاى تركب قنبلة وتفجرها عن بعد ومرسومات لكنسية ازاى تتسلق وتدخل تحط قنابل فى اماكن محدش يكتشفها 
أنتفضت أجسادهم مرة أخرى عندما سمعوا صوت الباب يفتح من جديد وكانوا يظنون أن هناك المزيد من المعذبين سيدخلون عليهم ولكن هذه المرة سمعوا صوت ينادى أسمائهم الثلاث بلال فارس عمرو
نظروا إلى بعضهم بعضا وكأنهم يودعون بعضهم ويشيعونهم ونظرا إليهم الرجلين نظرات شفقة وخوف زادت من فزعهم نهض ثلاثتهم ولكن بلال أمسكهم من أكتافهم ونظر إليهم قائلا 
حافظوا على دعاء اللهم أكفنيهم بما شئت وكيف شئت 
تقدم الثلاث وهم يرددون الدعاء فى خفوت ولقد
كان قلب فارس يعتصر اعتصارا منذ أن علم أن الټعذيب يتم بمعرفة وكيل نيابة وتحت نظره سار الثلاثة فى رواق ضيق طويل وصدورهم تلهج وتأجر إلى الله سبحانه وتعالى وبلال يتمتم 
اللهم انهم لا يعجزونك 
دخل ثلاثتهم غرفة صغيرة أخرى ولكن هذه المرة يتوسطها مكتب يجلس خلفه رجل عرفه فارس من أول وهلة حدق فارس به لبرهة فنهض الرجل قائلا 
تعالوا 
وجد فارس نفسه يقول دون وعى 
أنت ازاى تشوف الټعذيب ده وتسكت عليه 
قال وكيل النيابة الذى كان زميلا له فى الكلية 
مفيش وقت للكلام ده يا فارس كويس انى عرفت انك هنا بالصدفة ربنا وحده 
هو اللى خلانى اشوف أسمك بالصدفة فى اللى جم أمبارح أسمع انت هتترحل دلوقتى على طره أهو أحسن من هنا على أى حال 
أعاد فارس سؤاله مرة أخرى هاتفا به أن يجيبه فقال صديقة 
يا فارس انا كنت زيك بحلم ابقى وكيل نيابة وربنا حققى حلمى مكنتش اعرف أنى هشتغل فى أمن الدولة ولما شفت المهازل اللى بتحصل هنا عملت فيها شجيع وقلت اروح اقدم بلاغ للنائب العام وقبل ما ادخله قابلت ولاد الحلال اللى يعرفونى وقالولى هو انت مكنتش تعرف أنه كان بيتشغل فى مباحث أمن الدولة عشر سنين وكان راضى عن اللى بيحصل هتدخل تقوله ايه حافظ على نفسك وعيالك وحاول تتنقل لأى جهة تانية من غير ما تقول حاجة ولا تفتح بؤك وانا يا فارس قدمت طلب نقلى وهنفذه قريب والحمد لله انك جيت قبل ما انا امشى ولا مكنتش هتخرج من هنا على رجلك زى ما دخلت ولا انت ولا اصحابك أنت متوصى عليك جامد يا فارس
نظر عمرو إلى بلال بذهول بينما حدق به فارس قائلا 
مين اللى موصى علينا وليه 
قال صديقه 
معرفش كل اللى عرفته انك متوصى عليك انت بالذات ومكنوش هيخرجوك سليم من هنا أنا ادخلت وهرحلك انت وصحابك على طره لحد ما تشوف هتخرج منها ازاى وأوعدك انى اساعدك على قد ما اقدر 
ضغط أحد الازرار أمامه فدخل على فور أمين شرطة يرتدى زى ملكى وقال له بلهجة صارمة 
خد دول يابنى على عربية الترحيلات أوراقهم اهى 
أستقل ثلاثتهم سيارة الترحيلات وهم يعتذرون فى داخلهم للوحوش التى يقال عنهم انهم مفترسين وبلا رحمة 
نهضت مهرة من نومها فزعة وهى تصيح 
الدكتور حمدى 
وأخذت توقظ أم فارس وتهزها بقوة جعلتها تستيقظ فزعة ونهضت جالسة وهى تهتف بها 
مالك يا مهرة فيكى ايه 
صاحت مهرة وكأنها غريق قد وجد لوح من الخشب فى قلب المحيط يتعلق بها لعلها تنجيه من الڠرق وقالت 
الدكتور حمدى يا طنط مفيش غيره هو اللى هيعرف طريق فارس فارس كان بيقول عليه بيحبه وبيعتبره زى ابنه 
تلقت دنيا اتصالا هاتفيا وهى غارقة فى نومها على فراشها الوثير فى بيت والدتها تململت فى الفراش وهى تنظر للرقم أتسعت حدقتاها وخفق قلبها خوفا وأجابة بتردد فقالت أم فارس لهفة 
معلش يا بنتى صحناكى من النوم أنا عاوزه رقم الدكتور حمدى صاحب المكتب يا دنيا 
هو الوحيد اللى هيعرف طريق فارس ليه معارف كتير 
أبتلعت دنيا ريقها وقد غارت عيناها وقالت 
بس الرقم
مش معايا هنا دلوقتى بكره اروح المكتب أجيبه 
قالت ام فارس برجاء
ارجوكى يا بنتى مش هقدر استنى للمغرب مينفعش تروحى المكتب بالنهار 
توترت دنيا أكثر وقالت بتلعثم 
اه اه هحاول اشوف ينفع ولا لاء وهرد عليكى فى اقرب وقت وبعدين مفيش داعى تتعبى نفسك انا لما اروح المكتب هكلمه واطلب مساعدته مټخافيش
أغلقت دنيا الهاتف وهى ټلعن اليوم الذى جعلها توافق على اقتراح باسم وقالت بعصبية 
هعمل ايه دلوقتى لو الدكتور حمدى عرف كل حاجة هتبوظ 
ظلت تفكر منذ طلوع الفجر وحتى قرب وقت الظهر وهى ترتشف القهوة كوبا تلو الآخر حتى هداها شيطانها لفكرة لمعت فى رأسها على الفور وبلورها لها عقلها أنتظرت حتى بعد الظهر بقليل ثم أعادت الأتصال بام فارس مرة أخرى وقالت لها بأسى 
انا
آسفه يا طنط الدكتور حمدى تعبان أوى وسافر بره يتعالج مش موجود فى مصر ومش عارفة اوصله 
أجرت مهرة اتصالا هاتفيا تقوم به لأول مرة منذ زواجها وقالت بارتباك 
علاء من فضلك محتاجة منك حاجة مهمة أوى 
قال بتثاقل وهو ينهض من فراشه 
طب مش تقولى صباح الخير يا حبيبى الأول
قالت بصوت مرتجف 
أرجوك يا علاء مش وقته انا محتجالك 
أنتبه وهو يجلس على فراشه وقال 
خير يا مهرة عاوزه أيه محتاجه فلوس ولا حاجة 
قالت بصوت باكى 
فارس جارنا أمن الدولة خدوه ومش عارفين نلاقيه بيقولوا معتقل بس
 

42  43  44 

انت في الصفحة 43 من 65 صفحات