رحلة الآثام بقلم منال سالم
من رسغها ضاغطة عليه بقدر من القوة فاضطرت أن تقول في أسف وهي تطأطأ رأسها خجلا من خذلانها لها
على عيني يا ضنايا والله!
قامت عمة زوجها بسؤالها في شيء من التحدي
خاېفة من إيه يا عروسة ده احنا جايين نخرس الألسن ونوريهم البشارة
أحست فردوس بالفزع يتولاها من كل جانب بأنها ټغرق في دوامة مظلمة لا نجاة لها منها صړخت عاليا بصوت كان أقرب للبكاء لعل وعسى تتخلى عن جمودها وتزيح هذه الأيادي عنها
ارتفعت شهقاتها وامتزجت مع نهنهات بكائها عندما شعرت بيد باردة قاسېة تتوغل بغير رحمة في دواخلها انتفضت وزاد تصبب العرق بها فأصبحت كخرقة مبتلة أتبع ذلك توسلها المتسول لعطف غير موجود في أي من الحاضرين
يا خالتي حوشيهم عني
تصنعت الضحك كأنما بذلك تخفف من حدة الأمر عليها وقالت وهي ترمقها بهذه النظرة الجادة
وقتئذ اتجهت فردوس بنظراتها التائهة نحو عوض حدجته بنظرة مليئة بالعتاب القاسې فما كان منه إلا أن أخفض رأسه متحاشيا عتابها الظاهر فهمهمت داخلها بصوت تردد صداه بينها وبين جنبات نفسها
مش مسمحاك إنت غدرت بيا زي أخوك!
صړخت مرات مستغيثة بأي أحد فما أغاثها مخلوق الكل ساهم في إثبات براءتها من تهمة أدانها بها شرذمة من الناس ممن يخوضون في الأعراض بافتراء وتدليس فقط للقضاء على ملل وقت فراغهم الطويل
ارتفعت بالخارج أصوات الزغاريد وملأت الأرجاء حتى أنها فاقت في حدتها مثيلاتها في حفل الزفاف المتواضع طوحت أفكار
قولوا للحبايب يهيصوا وللعوازل يفلفلوا بنتنا مافيش في أدبها
عقبال ما نبارك نهار حبلها
نظرت إليها ضاحكة وهي تقول
عن قريب إن شاءالله
ثم وجهت كلامها إلى عوض الجالس في حزن على مقعد شبه منزو
عريسنا يشد حيلته بس
تعالت الضحكات العابثات والمخبئات خلف الأيادي الموضوعة على الفم لتردد عقيلة بوجه لا يزال عابسا
سيبوه يتهنى مع عروسته
نجاملكم في الفرح دايما يا حبايب
عندئذ نهض عوض من مكانه عائدا إلى زوجته التي كانت جالسة فوق الفراش تولي ظهرها للباب وتضم ركبتيها إلى صدرها بذراعين مرتجفين صوت بكائها كان مسموعا له حز في قلبه رؤيتها هكذا مبديا ندمه وأيضا تعاطفه
حقك عليا
والله حاولت أمنعهم بس معرفتش
تجرأ ليضع يده على كتفها فانتفضت مع وكأن مسا كهربيا لامسها في التو زحفت بمرفقيها بعيدا عنه وصړخت به رغم ألمها
ماتقربش مني
رفع كفيه في الهواء ليظهر لها حسن نواياه ومع هذا لم تبد متهاونة معه حملته كامل اللوم عن كل ما جرى لها فهدرت به بانفعال من بين
بكائها المتحسر
منك لله إنت وأخوك قهرتوني وكسرتوا كل حاجة فيا ربنا ينتقم منكم
رمقها بنظرة مهمومة فاستمرت على صياحها اللائم
عملت إيه فيكم عشان تهدوني بالشكل ده
هزت رأسها في استنكار واعترفت له في نزق غير نادمة عليه لتجعله يزداد إشفاقا بها
يا ريتني ما وافقت أتجوزك يا ريتني!
بعد أن ذاع الخبر وعرف الجميع عن إصابته المفاجأة تحول خارج غرفته بالمشفى الخاص إلى ما يشبه أحواض الزهور فقد امتلأت الردهة بباقات مختلفة الأحجام والأنواع من الورود كنوع من إرسال التهنئة والمباركة على تماثل رجل الأعمال الشهير للشفاء من أزمته المړضية الأخيرة لجأ مهاب للاستعانة بأفراد من الحراسة المدربين لمنع دخول أي فرد لحجرته دون إذن مسبق منعا لتطفل رجال الصحافة المزعجين وكذلك لعدم إرهاقه بالزيارات الكثيرة استاء سامي مما اعتبره تصرفا فظا ولا يليق بمكانة العائلة فعنفه في غرفة مدير المشفى الماكث بها
إنت مفكر نفسك مين عشان تتصرف كده
لم يرفع رأسه عن التقارير التي يراجعها وخاطبه في برود
اللي فيه الصح للباشا أنا هعمله
اغتاظ سامي من عجرفته المستفزة فطرق بقبضته المضمومة على السطح الزجاجي بعصبية جمة ليدفعه على النظر إليه حينها فقط هدر في صوت غاضب
إنت عارف مين أصلا جاي يشوفه دول وزراء وكبار رجالة البلد
تطلع إليه بنظرته المتعالية وأردف في تساؤل غير مكترث
وإيه يعني
استمر سامي في الھجوم عليه فقال باحتقار ظاهر على وجهه وكذلك في نظرته إليه
شكل جوازك من البت الكحيانة دي غيرك وخلا مخك يفوت فما بقتش عارف قيمة الناس اللي بنتعامل معاهم!
نهض مهاب قائما بعدما ترك ما فيه يده وحذره بنظرة صارمة
ما بلاش تغلط!
ثم دار حول المكتب وتقدم تجاهه حتى وقف قبالته حينئذ تابع إنذاره له وهو يضع كفه على كتفه
زعلي وحش يا سامي
نفض الأخير قبضته عنه في نفور وزمجر فيه پحقد
نزل إيدك
حدجه مهاب بنظرة مستخفة ليردد بعدها بما أغاظه في الحال كعهده معه وبهدوء واضح
ممم قول إنك غيران مني عشان بعرف أعمل اللي أنا عاوزه وإنت لأ
صاح به في عصبية مستعرة
أنا مش فؤاد باشا اللي سهل تضحك عليه بكلمتين فيصدقهم
سدد له نظرة هازئة قبل أن يسأله في سخرية
طب ما إنت معاه طول الوقت ليه معرفتش تكسبه في صفك
اندلع غضبه أكثر بداخله وصاح فيه مغتاظا
بلاش هلفطة أنا أكتر واحد عارف وساختك وألاعيبك ولحد النهاردة أنا مش عاوز أدمرك وعمال أداري عليك
سخر من محاولته غير الموفقة للمزج بين مواضيع شتى لإظهاره بمظهر الشخص الأهوج الأرعن وغير المسئول ورغم ذلك قابل انفعاله المحتد بنفس البرود الهادئ حين رد
وإيه اللي منعك!
ناطحه الرأس بالرأس قائلا بوجه محموم بغضبه
ما تتحدانيش!
ضحك مستخفا به ليعلق بعدها
صدقني إنت اللي هتخسر مش أنا
واصل سامي هجومه غير المبرر عليه زاعقا في تعصب
إنت ولا حاجة من غير لقب الجندي!
لم تتغير نبرته مطلقا وهو يخبره عندما سار عائدا إلى المكتب مجددا
صح بس صدقني اسم مهاب الجندي برضوه معروف حتى لو إنت عامل نفسك مش واخد بالك
جمع مهاب التقارير المفرودة على سطح المكتب واستعد للمغادرة فسأله سامي بنبرته المتشنجة
إنت رايح فين أنا مخلصتش كلامي لسه!
لاحت على زاوية فمه ابتسامة متهكمة ليسترسل بعدها بتعال صريح
بس أنا خلصت
كاد على وشك النكاية به لكنه أخرسه بإشارة من سبابته
مش عاوز أسمع حاجة تاني بس يا ريت لما ترجع تتخانق معايا توطي صوتك ما تنساش احنا في مستشفى وفؤاد باشا مش هيكون مبسوط لما يسمع عن خناقنا هنا!
كظم سامي حنقه مرغما وشيعه بنظرة ڼارية ثائرة في حدقتيه
إلى أن انصرف آنئذ كور قبضته في الهواء وتوعده بين نفسه في كراهية لا تكف عن التعمق أكثر فيه
بكرة هتندم وأنا عارف الطريقة إزاي!!
يتبع الفصل السادس عشر
الفصل السادس عشر
مکيدة ساذجة
غادر الجميع تباعا تعلو وجوههم الفرحة والاعتزاز لكنهم تركوها غارقة وسط إحساسها بالمهانة والانكسار لم تجد اليد الحنون التي تطبب من چراحها أو حتى تهون عليها صعوبة ما اختبرته ولم تشعر بالأمان في حضور من أصبح زوجها كان كأنه لم يكن من الأساس تخلى عنها وانساق وراء ما رغب فيه الآخرين سالت دموعها أنهارا فبللت كامل وجهها وأفسدت زينتها فأصبحت قبيحة المنظر ومع ذلك لم تكترث للحظة فما أصابها مزقها من الداخل قبل الخارج
وقف عوض على باب غرفة النوم حائرا مترددا لم يعرف ما الذي يجب عليه فعله لاسترضائها وتعويضها عما مرت به تطلع إليها من موضعه مليا وبإشفاق حزين كانت منكمشة على نفسها توليه ظهرها ترتجف إلى حد ما صوت بكائها المسموع إليه حز في قلبه بشدة نكس رأسه بعدما هزها يمينا ويسارا أسفا عليها استجمع الكلمات في رأسه وتكلم سائلا إياها بحذر
إنتي كويسة دلوقتي
استشعر سخافة سؤاله فكيف لها أن تصبح في أحسن حال وهي منخرطة في نوبة بكاء عڼيفة تدارك خطئه ولم يتوقع أن ترد عليه يكفيها ما هي فيه الآن ازدرد ريقه وتابع
حقك عليا أنا لو كان بإيدي مكونتش خليت حد يجي ناحيتك بس حكم القوي!
ارتفع صوت نحيبها فأحس بالندم أكثر فقال مغيرا الحديث
أنا هسيبك على راحتك نامي على السرير وأنا هفضل برا
لم تنظر فردوس تجاهه بل أحنت رأسها لتخبئها بين ركبتيها المضمومتين إلى صدرها وواصلت بكائها المرير شعوره بالذنب تضاعف فلم يكن أمامه سوى الفرار من هذا الإحساس القاټل
فأنهى حواره أحادي الجانب قائلا بعدما التقط منامته من على طرف السرير
لو عوزتي حاجة نادي بس عليا
انسحب في هدوء وأغلق الباب ورائه ليعطيها مساحة من الخصوصية لكن في الحقيقة كان يريد الهروب من هذا الجو الخانق المعبأ بكل ما هو موجع لكليهما!
لم تتوقف عن معاتبة نفسها منذ عودتها إلى المنزل فإحساسها بالذنب تجاه ابنتها كان ينهشها بشدة بكت في صمت كلما استحضرت في ذهنها طيفها وهي تستجدي عاطفتها الأمومية لنجدتها ممن يحاولون المساس بها بحجة الشرف والسمعة لكنها ظلت أمام رجاواتها الحاړقة كتمثال من الحجر لا تحرك ساكنا تخلت عنها وتركتها للأيادي الغريبة تكشف سرها على أمل أن تبتهج في النهاية بعفتها لكنها لم تفعل حينما تم الأمر كانت تحترق لأجلها ينفطر قلبها حزنا على اغتيال فرحتها نظرت عقيلة إلى شقيقتها الماكثة معها في بيتها مطولا كانت الأخيرة مسترخية لا يبدو بالها مشغولا بشيء لذا استطردت قائلة بصوت شبه مخټنق وكأنها تؤنبها
مكانش لازم نعمل كده كسرنا فرحة البت وآ
قاطعتها أفكار ببرود مغلف بالقساوة
لأ ياختي ده كان ضروري أومال نسيب الناس تتكلم وتألف حوارات أهوو كله كان على عينك يا تاجر
ضاقت عينيها في استنكار واضح فهذه لم تكن أحلامها بشأن زيجة ابنتها ومع ذلك لم تلق أفكار أي بال لأحزانها بل أضافت في زهو مغيظ
ده إنتي حقك دلوقتي تحطي صوابعك في عين أي حد يفتح بؤه بنص كلمة عنها
اعترفت لها وهي تمسح بطرف كم عباءتها المنزلية دموعها التي تملأ صفحة وجهها
صعبانة عليا أوي حاسة إني كسرتها
ضحكت في استهزاء قبل أن تقول بابتسامة سخيفة
علقة تفوت ولا حد ېموت
ثم مالت ناحيتها وغمزت لها في شيء من المكر
دي زمانها غرقانة في العسل وجوزها مدلعها
لم تبد عقيلة مطمئنة لهذه الدرجة فالألم لن يمضي على خير كما تظن خاصة ما يؤثر بالنفس انتبهت مجددا لشقيقتها الكبرى وهي تخاطبها بعدما
نهضت من موضع جلوسها
بينا نعملها فطور العرسان
تبعتها في خطوات متعبة ولسانها يهمهم داعيا
ربنا يهدي سرك يا بنتي ويريح بالك!
كان من غير الطبيعي بالنسبة له الذهاب هكذا ببساطة وتركه وهو لا يزال في