الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية جديدة بقلم دعاء عبد الرحمن

انت في الصفحة 23 من 65 صفحات

موقع أيام نيوز


قد المسؤلية
لمعت عينى فارس تأثرا وأطرق برأسه حزنا على فقد هذا الرجل الذى كان يتمنى أن يمتد به العمر أكثر ليثبت له أنه عند حسن ظنه به بينما قالت والدته
الله يرحمه 
أخبرته والدة دنيا برغبتها فى بقاء دنيا معها هذه الفتره وبعدم رغبتها فى عودتها للمكتب وطمئنها فارس بموافقته وأن الدكتور حمدى ليس لديه أى مانع وأنه يقدر ظروف دنيا بعد ۏفاة والدها 

جلس بلال إلى والدته بعد عودته ليلا وعلى وجهه سعادة كبيرة لما يسمعه منها عن عبير ووالدتها وقال بلهفة
بجد يا أمى يعنى انت فعلا حسيتى انها مرتحالى طيب افاتحهم فى الموضوع أمتى
ضحكت والدته وهى تقول
ومالك مستعجل أوى كده ده انت يدوب شفتها كام مرة
ثم ضحكت مرة أخرى وهى تستدرك
قال شفتها قال
ضحك بلال لدعابة والدته وقال
أنت بتقولى فيها يا أمى أنا فعلا شوفتها بقلبى وعقلى متقدريش تتصورى يا أمى هى حيية وخجولة وبتحافظ على نفسها قد أيه ودى أول حاجة شدتنى ليها حتى من غير ما اقابلها اصلا
ربتت على ساقه وهى تقول مطمئنة
متقلقش سيب الموضوع على الله ثم عليا لو تحب أروح اخطبهالك النهاردة قبل بكره
فرك كفيه قلقا وهو يقول
أنا بس عاوز أتكلم معاها علشان أعرف شوية حاجات تهمنى كده وده ان شاء الله يحصل فى الرؤية الشرعية
بس يابنى هنروح نتقدم كده مش نستنى لما تخف الأول طيب
أبتسم بلال ابتسامة ذات
معنى وهو يتمتم
ماهى لما تبقى مراتى هعرف اعالجها بضمير
وقفت عزه ليلا فى نافذتها تتطلع إلى بداية الطريق عن كثب وتتأمل المنعطف الذى يجتازه عمرو يوميا فى نفس الميعاد عائدا من عمله ظلت تنظر لساعة يدها بين كل دقيقة وأخرى فى قلق وهى تتمتم بقلق
أتأخر أوى النهاردة
سمعت صوت أنثوى من خلفها يقول
سبحان الله له فى خلقه شئون
ألفتت عزة إلى عبير وعاودة النظر من النافذة مرة أخرى إلى تلك البقعة الفارغة والتى تنتظر عمرو ليمر بها وكانهما على موعد وقالت
بطلى التلميحات دى يا عبير
ضحكت عبير وهى تقول
صحيح والله الممنوع مرغوب الراجل كان بيتمنالك الرضا ترضى وكنت حتى مبتفتكريش شغله الصبح ولا بالليل أول ما يديكى الوش الخشب تبقى هتموتى عليه وعارفة مواعيد رجوعه بالظبط
قالت عزة بتوتر دون أن تنظر إليها
أنا مش ھموت على حد على فكرة أنا واقفة عادى
قالت عبير وهى تومأ برأسها ساخرة
صح وانا مصدقاكى
ثم قالت مردفة
على فكره بقى اللى بيحصل ده فى مصلحتك والله
لمعت عينيى عزة بالدموع وهى تقول بهمس
من مصلحتى انه يخاصمنى ومش عاوز يرد على تليفوناتى ويتهرب مني من مصلحتى أنه قلع الدبلة وقالى اقلعيها خلاص
هزت عبير رأسها نفيا وهى تقول
لاء من مصلحتك انك تعرفى قيمة الراجل اللى هتجوزيه أيا كان مين الراجل ده من مصحلتك أنك تشيلى من قلبك أى رواسب قديمة كانت هتسبب فى مشاكل بينكوا بعدين وانا شايفة بقى اللى حصل ده هو اللى هيشيل الرواسب دى
قالت عزة بصوت مخټنق
بالدموع 
والدبلة
اللى قلعها
قالت عبير بثقة
ولا تسوى حاجة أنت عارفة أنه بيحبك والدبلة اللى اتقلعت تتلبس تانى المهم قلبك انت يكون صفى ومستعد لاستبقال البشمهندس اللى هيجننك ده
وكأن عبير قد استدعته بكلامها عنه تعلقت عينيى عزة بمنحنى الطريق ورأته وهو يدلف منه واضعا يديه فى جيبيى بنطاله ويسير ببطء يركل كل حصى تقابله وكأنه يتعارك معها ويتوعدها ألا تصادفه مرة أخرى وتتنحى أمام قدميه المتحفزتين يظهر الحزن على قسماته وتعابير وجهه وكأنه فقد شخصا أو شيئا أو قلبا !
فى كل مرة كانت تقف هكذا تتمنى أن يرفع رأسه ليراها واقفة تنتظره ولكنه لم يكن يفعل أبدا ولكن هذه المرة وبتلقائية شديدة رفع رأسه وكأنه يتوقع أن يرى نافذتها مغلقة فى هذا التوقيت رآها تطل عليه بعينين زائغتين معتذرتين دامعتين تلاقت نظراتهما مع خفقان قلبها وشعوره بالحنين لفقدانها دار حوارا سريعا بين عينيهما كان عنوانه الأول والأخير أعتذر منك أشتاقك عد إلي
دوت الزغاريد فى نفس المنزل للمرة الثانية على التوالى ولكن هذه المرة كانت العروس مختلفة كانت عبير عبير ذات العبير المعتق فى صدفته ينتظر نصفه الآخر المقدر له استنشاقه وملىء رئتيه بنسيم القابعة أسفل أمواج خجلها 
أحمر وجهها وهى تجذب والدتها من ملابسها لتجلسها مرة أخرى ووالدها يكمم فمها هاتفا بها
أسكتى بقى الناس تقول علينا ايه
جلست أم عبير وهى تلهث من فرحتها قائلة
يقولوا عندنا فرح هيقولوا ايه يعنى
نهرها قائلا
مش لما العروسة توافق الأول يا ام مخ مهوى انت
نظرت إلى أبنتها وهى تقول 
عبير موافقة طبعا هى دى عايزة كلام
قالت عزة بحماس وهى تنظر إلى أختها 
صح يا ماما
صوب الجميع نظره إليها فى انتظار كلمتها وبعد فترة من الصمت قالت بارتباك 
لما أقعد معاه الأول وبعدين استخير ده جواز يعنى لازم يكون منهجنا واحد وإلا هيبقى فيه مشاكل كتير بينا بعد كده الحكاية مش حكاية لحية وخلاص
تم تحديد ميعاد للقاء عبير وبلال للرؤية الشرعية بعد يومين وتم تجهيز المنزل لإستقبال بلال ووالدته لن نستطيع أن نتهم عبير بالسعادة لأنها لم تكن تجرؤ على هذا الأحساس بل كانت تئده كلما حاول الظهور على السطح كل ما كانت تشعر به هو التوجس والإنتظار لا تعلم لماذا اختارها هى بالذات للتقدم لطلب الزواج بها فهى ليست مميزة عن غيرها نعم هى ملتزمة ولكنه بالتأكيد صادف قبلها كثير من الفتيات الملتزمات وبالتأكيد شاهدهن خلال الرؤية الشرعية وكانت منهم الجميلات والأصغر سنا منها ولكنه لم يتزوج بواحدة منهن فماذا يميزها عن غيرها ليختارها هى كانت خائڤة بل ووجلة ليس من تلك الهواجس فقط ولكن خاڤت أن يكون على غير المنهج الصحيح الذى اختارته لنفسها ووافق السنة الصحيحة
دخلت عليها والدتها لتجدها على حالها تلك الذى تركتها عليه منذ قليل جالسة على فراشها ترتدى كامل ملابسها التى تخرج بها إلى الطريق لم يختلف شىء غير أنها قد أزاحت غطاء وجهها عنها ليستطيع رؤية وجهها بوضوح وهي تردد بعض الأذكار لتخفف من توترها وارتباكها وخفقان قلبها وقالت تستعجلها
يالا يا عبير الضيوف وصلوا 
تبعتها عزة التى دلفت خلف والدتها مباشرة وهى تهتف بها 
يالا يا ستى مامته بتسأل عليكى
وقفت عبير وهى تشعر بالألم فى ساقها الذى لم يتعافى بعد ورغم أنها رؤية شرعية ولابد أن تكشف عن وجهها ليراها إلا أنها شعرت وهى تخرج أمامه هكذا بوجهها المكشوف كأنها عاړية أمامه فزاد حيائها وخجلها وحمرة وجنتيها وإطراق رأسها أرضا أكثر وأكثر هبت والدته واقفة عندما ظهرت عليهم وأقبلت عليها فى ترحاب تقبلها وتعانقها وتساعدها فى الجلوس على أقرب مقعد جواره هذا الحياء الذى علق قلبه بها فى الأمس هو نفسه من علق عينيه بها اليوم وهو ينظر إليها بشغف ويتأمل أحمرار وجنتيها الصافية وعينيها الخجولة الناظرة إلى أى شىء وكل شىء إلا هو خوفا من اللقاء ! ظل يتأملها قليلا فى صمت وعلى ثغره ابتسامة ناعمة تحمل كل الرضا والقبول
أرادت والدته أن تقطع هذا الصمت أو بالأحرى أرادت أن تعطيه طرف الحديث معها فقالت
رجلك عاملة أيه دلوقتى يا عبير
قالت بصوت لا يكاد يكون مسموعا 
الحمد لله يا طنط أحسن شويه
تحرك لسانه أخيرا وتحرر من صمته ووجد نفسه يقول
بتعملى التمارين 
أومأت برأسها إيجابا ولم تجبه شفاهتا وكما فعلوا مع عزة وعمرو فى السابق فعلوا مع عبير تركوها مع بلال فى الخارج وانتقلوا لغرفة استقبال الضيوف وجلس والدها نفس المجلس فى المرة السابقة ليستطيع رؤية ما يحدث فى الخارج
كان لهذا أثر كبير على بلال الذى تحرر من خجله لمجرد أن أصبح وحده معها ولكنه فى داخله شكر فعل والدها أنه يحرص عليها مع ترك مساحة من الحرية لا تسمح إلا بالحديث معها فقط فكم سقط فى عينيه آباء كثر أغلقوا الباب عليهما بدعوى حرية الحديث لولا أنه كان يرفض ويأبى هذا بل ويكون سبب خروجه من
البيت
بلا عودة 
ظلت عبير صامتة مطرقة الرأس ولكنه لم يظل صامتا قال في حنان وهو يتأملها 
على فكرة الرؤية دى يعنى احنا الاتنين نشوف بعض كويس مش انا بس اللى اشوفك
جاهدت على أخراج صوتها من حلقها وكأنه يعبر الأحبال الصوتية فى مشقة وقالت 
منا شوفتك قبل كده
لاحت ابتسامة صغيرة على جانبى
شفتيه وشعر أن الأمر يتطلب جرأة أكثر فقال
طيب ممكن ترفعى راسك شوية مش عارف اشوفك كويس
خفق قلبها بشدة وشعرت أنها لو تركت العنان لنفسها لهبت من مقعدها لتجرى إلى غرفتها وتغلقها عليها لتختبىء من نظراته المصوبة إليها ولكنها تعلم أنه من حقه أن يراها جيدا وينظر إليها رفعت وجهها ببطء ولكنها لم تقدر على النظر إليه مباشرة نظر إليها مليا ثم قال 
عبير
شىء ما بداخلها لا تعلم ماهو جعلها ټخطف نظرة إليه ثم تعيد عينيها إلى حيث كانت ربما كانت تريد ان ترى ردة فعله وهو ينظر لها هل أعجبته أم لا لم تكن عبير تلك الفتاة الفاقدة الثقة فى نفسها رغم أنها فتاة عادية ليست بارعة الجمال بل وليست مميزة فى جمالها فتاة عادية بكل المقاييس ولكنها أرادت أن ترى نظرة سابحة فى عالمها منصهرة فى وجودها كانت قد رأتها فى عينيه مرة واحدة حينما كان يستمع لصوتها وهى تسبح وتكبر فى عيادته سابقا وهى تؤدى التمرين ولقد وجدتها وعثرت عليها للمرة الثانية واستشفت ما وراءها من قبول ورضا
أستردت نفسها حينما سمعته يقول
والدك كان قالى انك عاوزه تتأكدى من حاجات معينة أتفضلى انا تحت أمرك
حاولت عبير أن تقذف بخجلها بعيدا بل وترميه خلف ظهرها فهذا زواج لابد أن يكون فيه من المكاشفة ما فيه حتى تستقر سفينة الحياة بهم فى المستقبل على جبل التوافق والرشاد
خرج صوتها بصعوبة وهى تقول
كنت عاوزه أسألك على منهجك منهج أهل السنة والجماعة ولا حاجة تانية
أتسعت ابتسامته وأشرق قلبه بسؤالها فهى ليست فتاة خجولة وفقط بل أنها تعرف ماذا تريد فى زوج المستقبل وتعرف أنه ليس كل ملتحى متبعا للمنهج الصحيح أجابها قائلا
أيوا الحمد لله أنا على منهج أهل السنة والجماعة
ظلت عبير تسأله وهو يجيب كأنما يجلس أمام محقق يعرف جيدا كيف يستخرج منه الأجابات الوافية سألته عن شيوخه ودروس العلم التى يحضرها وكيف بدأت حياته الدعوية وغيرها وكيف يستطيع أن يوفق بين عمله كطبيب والدعوة
فقال
بغض النظر عن أنى ممكن أخطب خطبة أو أتكلم مع حد لكن بجد انا شايف أن الدعوة دى بتكون فى أى مكان وفى أى حته ومهما كان الواحد بيشتغل ممكن يدعوا الناس عن طريق شغله
قالت مستدركة
قصدك يعنى عن طريق أخلاقه
هز رأسه نفيا وهو يقول
مش بس أخلاقه الدكتور والمهندس والمحامي وأى موظف فى أى مكان أو صاحب
 

22  23  24 

انت في الصفحة 23 من 65 صفحات