الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية جديدة بقلم دعاء عبد الرحمن

انت في الصفحة 26 من 65 صفحات

موقع أيام نيوز


بره عندنا يا هانم
أصفر وجهها وشحب واتسعت عيناها وهى تضع يديها على وجهها ثم قالت بأحراج
والله ما كنت واخده بإلى 
ثم نظرت له معتذرة وقالت 
أنا آسفه يا حبيبى بالله عليك متزعلش مني
هدأ قليلا وهو عاقدا ذراعيه خلف ظهره وقال معاتبا
أبقى خدى بالك بعد كده 
ثم مد يده ومسح وجنتها بظهر أنامله وقال بحب

ما انت
عارفه
انا بغير عليكى ازاى يا حبيبتى صوتك محبش راجل غيرى يسمعه
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت مداعبة له
ده انت أرهابى بقى
أمسك وجهها بين كفيه واحتواها بعينيه ثم قال
لو ده الأرهاب فأنا أرهابى أصيل 
ثم قبل جبهتها وقال مردفا
ولابس حزام ناسف كمان
أبتسمت فى سكون وهى تمسك بيديه التى تحيط بوجهها فقال 
أخبار رجلك ايه
نظرت له بدهشة وقالت
كويسة الحمد لله بتسأل ليه
مط شفتيه وقال
انا بقول نعمل الفرح والډخلة بقى علشان نكمل التمارين فى بيتنا براحتنا الواحد يا شيخة مش حاسس انه بيشتغل بضمير فى العلاج
أزاحت يديه ووضعت يديها حول خصرها قائلة
كل ده وضميرك لسه مستريحش
أبتسم وهو يرمقها بنظراته المتفحصة
كل ده أيه ده انا حاسس انى مقصر يرضيكى يعنى ضميرى يعذبنى
قالت وهى تعيد النقاب على وجهها مرة أخرى 
مقصر لاء خاليك مقصر الله يخليك
أفلتت من يده وعادت إلى النساء مرة أخرى أكثر أشراقا وجاذبية فهكذا هى الزهرة كلما لاقت حبا واهتماما وعناية كلما زادت إشراقا وتألقا وتفتحا وعبيرا تفيض على من حولها بشذاها 
أنتهى حفل عقد القران واستأذن بلال والد عبير أن يخرجا سويا وخرج معها من منزلها أصابعهما متشابكة كما كان يحلم دائما وهى تقول 
بلال أنا مكسوفة امشى فى شارعنا واحنا ماسكين أيد بعض كده
قال مشاكسا
ليه يا حبيبتى هو انت صاحبتى ده انت مراتى
دفعت عزة عمرو بعيدا عنها بهدوء وقالت بارتباك 
أيه يا عمرو ده مينفعش كده على فكرة
نظر إليها بضيق وقال متبرما
أيه يا عزة أنا جوزك دلوقتى
تلعثمت وهى تقول بخجل
يا عمرو دى أول مرة نقعد فيها مع بعض بعد كتب الكتاب أرجوك تراعى الحكاية دى
أسند مرفقيه على مائدة الطعام أمامه وقال معتذرا 
حاضر هراعى بس انت كمان راعى انى بحبك وانى شاب زى كل الشباب وطول عمرى بشوف بنات وشباب وعلاقتهم مفتوحة كأنها مراته ورغم كده عمرى ما عملت زيهم عارفه ليه 
وقبل أن تجيب قال 
علشان بحبك وعمرى ما حبيت أنى ارتبط بواحدة غيرك لا فى حلال ولا فى حرام مينفعش بقى تيجى بعد كل ده وتقوليلى مينفعش يا عمرو
كادت عزة أن تبكى وهى تشعر بضغطه عليها بكلماته واستعجاله للأمور بهذا الألحاح المتواصل ومحاولاته المستمرة ولكنها لن ترضخ له فى أى حال من الأحوال فالعقد له حدودا يجب أن لا يتخطاها أبدا
سار بلال بجوار عبير بمحاذاة كورنيش النيل متعانقة أيديهما متشابكة أصابعهما نظر لها ليرى بعض علامات الضيق والأضطراب
ظاهرة بوضوح فى عينيها فقال
مالك يا حبيبتى ايه اللى مضايقك
مش شايف المناظر يا بلال هى البنات دى مش مكسوفة وهى واقفة بالشكل ده طب مش خايفين من أهاليهم 
هز رأسه باسى وكأن حديثها آثار شجونه وقال
يعنى انت من مرة واحدة وقلتى كده واضايقتى من المناظر أومال انا أعمل ايه اللى على مدار حياتى شفت اضعاف اضعاف المناظر دى ده غير الأشكال اللى كنت بقابلها فى شغلى أيام ما كنت بشتغل فى مركز كبير بعد تخرجى وكان بيورد علينا رجالة وستات والحاجات اللى كانت بتتعرض عليا ساعتها ورغم كده الواحد كان بيستحمل وبيصبر وبيغض بصره عن الحړام
قالت عبير بحنان
وكنت بتقدر تستحمل كده ده ازاى
قال بشجن 
علشان ربنا يا عبير كنت بصبر وبصوم كتير وبخرج طاقتى فى شغلى والدعوة والرياضة والحمد لله ربنا عصمنى
ثم نظر لها وقال بحب
مش كده وبس ده كمان كافأنى ورزقنى بزوجة صالحة زيك
ابتسمت رغم الشجن الذى لمسته من كلماته وحاولت تخفيف ما استعاده من ذكريات قد تضيق بها نفسه وقالت بمرح 
بس أيه يا عم الكاجوال الخطېر ده الناس يقولوا أيه شيخ ولابس كاجوال
نظر إلى ملابسه وقال بزهو مصطنع
لا وكله كوم والتيشرت الفظيع ده كوم لوحده
ضحك كلاهما وهما يسيران عكس اتجاه الطريق ليعودا أدراجهما إلى منازلهما وتركوا خلفهما شباب متسكعة وبنات متخبطة فى شهوات الدنيا وملذات الحياة متسلقين زورقا للحب يتخبط بهم فى بحار عالية الأمواج بعيدة القاع ذات اليمين وذات الشمال فهل يأمل لهم النجاة وقد بعد المرسى 
أستطاعت دنيا أن تتكيف على عالمها الجديد فلا تدخل ولا تخرج إلا بصحبة والدتهاالتى أشرفت بنفسها على شراء ملابسها الجديدة فاختارت لها كل ماهو محتشم تغيرت طريقة ملابس دنيا بالكامل مما جعل فارس يشعر أنهما على بداية الطريق الصحيح وأنها من الممكن أن تتغير فعلا وأنه أحسن الأختيار ولكنه لم يكن يعرف أنها كانت تجاريهم فقط لتمر الأزمة على خير حتى أنهى فارس اختبارات الماجيستير وتم تحديد يوم حفل عقد القران 
حضر عقد القران عمرو وبلال وعبير وعزة ورغم المحاولات الكثيرة التى قام بها فارس لأصطحاب مهرة معهم ولكنها بكت و رفضت بشدة بل وتصنعت المړض لكى لا تذهب معهم 
بعد العقد مباشرة أصرت عزة على المغادرة هى وعبير عزه وعبير فلقد كانت دنيا تتعامل معهما ببرود وبابتسامة خاوية من أى ترحيب مما جعلهن يشعرن بالوحدة فى بيتها وطلبا المغادرة بعد تهنئتها بالزواج بصحبة والدة فارس
غادر
الجميع وتركت والدة دنيا لفارس المجال أن يجلس مع دنيا قليلا على انفراد بعد أن أصبحت زوجته كانت متوترة وعيناها تفصح عن شىء ما مجهول ولكنها صامتة عندما حاول بثها شوقه لم تتجاوب معه وتعاملت معه ببرود ثم اعتذرت وكأن الأمر خارج عن سيطرتها حاول أن يعرف ما بها ولكنها لم تجب بشىء واضح غادرهو الآخر بعد أن طبع رقيقة على وجنتها مودعا أياها 
ومرت الشهور تلو الشهور وسنة يعقبها سنة تتسابق تتلاحق وكأنها فأر يقرض فى عمر الزمن فى سرعة وخفة لم يلتفت لها فارس وهو منهمك فى تحضير الدكتوراة التى نفذت معه طاقته ولقد كان هو أكثر من مرحب وهو يشعر بتباعد دنيا عنه يوما بعد يوم
ورزقت عبير من بلال بأربع توائم دفعة واحدة وكأن الله سبحانه وتعالى قد صرف لها الأقدار ومنحها دفعة واحدة جوائزه وعطاياه كما لو كانت تزوجت منذ سنوات كثيرة وليس أقل من ثلاث سنوات 
وحاول عمرو إقناع والد عزة بأن يتم الزواج فى شقة والده ولكن والدها رفض نظرا لأن لديه أخ أصغرمنه وهو محمود والذى ألتحق بالجامعة هو ويحيى صديقه فكيف ستعيش عزة مع محمود فى منزل واحد! باءت المحاولة بالفشل وبدأ عمرو فى البحث عن شقة إيجار فى مكان قريب منهم 
وخاضت مهرة فى مرحلة جديدة وهى مرحلة الثانوية العامة ورحلة بحثها عن ذاتها التى لم تنقطع طوال الفترة السابقة ولكنها ظلت البنت العنيدة التى لا تستسلم بسهولة ولا تصمت على شىء تراه خطأ من وجهة نظرها وكانت تحاكى أفعال فارس فى كل شىء بل وتتحدث مثله وتستمع إليه وتدون النقاط المهمة فى حديثه تحفظها عن ظهر قلب حتى أن الجميع كان يلقبها بالفارس الصغير! كانت أنوثتها قد لاحت فى الأفاق بقوة وطالت قامتها فجأة وأصبحت تضاهى أقرانها بجمال بري مشاكس ملفت للأنظار ولكن فارس لم يراها يوما إلا طفلته الصغيرة العنيدة التى يفخر بها دوما 
طرقت مهرة باب شقة فارس وهى تمسك بيدها بطفلين صغيرين بالكاد أتما السنتين من عمرهما أبتسمت أم فارس وهى تفتح لها الباب وتنظر إلى الولدين فى يدها وقالت وهى تنحنى لتأخذ واحدا منهما وتلاعبه
تعالى يا ام العيال ادخلى
دخلت مهرة وهى تضحك لمداعبة أم فارس وجلست ووضعت طفل منهما على قدمها وأخذت تهزه وتأرجحه و تقول
اه والله يا طنط أنا حاسة انى انا أمهم فعلا
أعطتهم أم فارس أحد قطع الألعاب الصغيرة وهى تقول
من يوم ما شوفتيهم بعد ما اتولدوا وانت شايلاهم بصراحة يا مهرة انت شلتى عبء كبير عن عبير
وضعت مهرة يديها فى خصرها وهى تقول بمشاغبة
يا سلام مش ساعتها كنتوا بتقولوا صغيرة ومش هتعرف تخلى بالها منهم وعزة مش مكفيها تاخد منهم واحد لا كمان كانت طمعانة فى اللى حطيت عينى عليه
ضحكت أم فارس وهى تقول باستغراب
هما طبق كشرى بتفرقى فيهم يابنتى دول أطفال
بس عرفت اخد بالى منهم ولا لاء
قالت أم فارس بإعجاب 
عرفتى وابصملك بالعشرة
دارت مهرة ببصرها فى المنزل وهى تقول
هو فارس لسه مجاش من الشغل
ضړبت أم فارس بيدها على جبينها وهى تقول متذكرة
الأكل على الڼار ېخرب عقلك يا مهرة نستينى
نهضت واقفة وتابعت وهى فى طريقها للمطبخ
ده زمانه جاى هو ومراته عازمها على الغدا عندنا النهاردة
مطت شفتيها بامتعاض وهى تقول بصوت مرتفع 
الله يكون فى عونك يا طنط أنا عارفة هتستحمليها ازاى
خرجت أم فارس من المطبخ ونظرت إلى مهرة بعتاب وقالت
لاء يا مهرة محبش اسمعك بتقولى كده لو فارس سمعك هيزعل أوى دى مراته برضة
لوحت مهرة بيدها وهى تقول معترضة
مش مراته دى خطيبته بس
أبتسمت أم فارس وهى تقول 
لاء مدام كتب كتابه عليها تبقى مراته
عادت للمطبخ ثانية تكمل ما بدأته من طعام الغذاء بينما وضعت مهرة الطفلين على الأريكة وأخذت تلاعبهما وتضاحكهما ببعض الألعاب ثم وضعتهما على الأرض يمرحان بألعابهما ووقفت تنظر لغرفة فارس التى اعتادت الدخول إليها يوميا منذ أن كانت مجرد طفلة وقفت وسط الغرفة تتأمل المكان حولها وكأنها تدخل لأول مرة وفعلت كما تفعل يوميا جلست خلف مكتبه الصغير وفتحت أحد أدراجه وأخرجت بعض من صورها الذى التقطت لها وهى صغيرة ومازال فارس محتفظا بها فى درج ذكرياته كما يسميه تأملت صورها قليلا وهى تبتسم تارة لصورتها بشعرها الأشعث المتناثر
وصورة أخرى بملابس العيد الجديدة وصورة جمعت بينهما وهما ينظران لبعضهما البعض ويخرج كل منهما لسانه للآخر بمشاغبة وهى تحمل دميتها المفضلة باربى هدية فارس لها أنتزعها من ذكرياتها صوت ثلاث طرقات على باب الشقة تعرفهم جيدا وتحفظ نغمتهم أعادت الدرج إلى وضعه سريعا وخرجت مسرعة فوجدت والدته قد سبقتها وفتحت الباب قبلها ورأت دنيا تدلف من الباب ونظرها مصوب باتجاه مهرة برغم من أنها تقبل أم فارس وتصافحها دخل خلفها فارس يلقى السلام فوجد مهرة واقفة مستندة على حافة باب غرفته المفتوحة فابتسم لها
وقال
محذرا بمزاح
عارفة لو لعبتى فى شغلى من ورايا هعمل فيكى ايه
قالت باندفاع 
لا والله ما لعبت فى حاجة
أبتسم فارس وهو يشير لدنيا موجها حديثه لمهرة قائلا
مش هتسلمى على دنيا
نظرت لها مهرة فوجدتها تنظر لها ببرود وتبتسم لها ابتسامة صفراء فبادلتها نفس الأبتسامة ونفس النظرة وهى تضغط كلمتها قائلة
أهلا
نظرت لها دنيا بحدة وقالت
يصح بنت كبيرة كده تدخل أوضة راجل غريب هى مامتك مبتعلمكيش الحاجات دى ولا
 

25  26  27 

انت في الصفحة 26 من 65 صفحات